[color:2e54=red][size=18]العرس الدمشقي بين الأمس واليوم
--------------------------------------------------------------------------------
بين الأمس واليوم اختلفت الكثير من تقاليد العرس الدمشقي؛ فإذا هو اليوم يتسم بمظاهر البذخ؛ وهو ما جعل الشباب يعزفون عن الزواج حتى سن متأخرة حتى يوفروا مصاريف الزواج ومتطلباته، في حين أنه كان يقوم في السابق على البساطة والعفوية؛ حيث الأصدقاء والأقرباء هم من يحيون العرس، وليست الفرق الشعبية أو الفرق الموسيقية بمطربيها، ولا السيارات الفارهة التي تسير بموكب العرس.
في السابق كان يقام العرس بنخوة (الزكرتاوية) من شباب الحي، كانت مظاهر الفرح خاصة فيها من الدفء والحميمية والتآزر ما يجعلنا نقف في لحظة صدق متأسفين على ما وصلت إليه العلاقات الاجتماعية من فقر حتى على مستوى الأقرباء جدًّا من الأعمام والأخوال..
العروس عارضة أزياء
الكثير من التقاليد أصبحت الآن منسية، ومقتصرة على بعض العائلات المحافظة من فئات اجتماعية بسيطة؛ فقد أصبحت الآن حفلة العرس تقام في يومي كَتْب الكتاب والدخلة، وقد يكونان في اليوم ذاته، وإذا كان العريس من عائلة غنية تقام الحفلات في أحد الفنادق الكبيرة، أو في صالة للأفراح موجودة في الحي، أو في أحد الأحياء المجاورة؛ فالمنازل باتت تضيق لمثل هذه التجمعات، بعد أن استثنت الأبنية الحديثة "الليوان" وباحة الدار العربية القديمة، وتأتي العروس إلى الصالة برفقة والدتها وأخواتها دون العريس، وتبدأ بعرض مجموعة فساتينها أو ما يدعى بالجهاز، مرتدية فستانًا تلو الآخر، تعرضه لأهل العريس ولصديقاتها وأقربائها، ويتبادر إلى الحاضر أنه في عرض للأزياء، تُظهر فيه العروس مفاتنها وذوقها في اختيار ملابسها، وإلى حد ما سخاءها، وبالتأكيد العروس لا بد أن تجيد الرقص؛ لتتمايل بفساتينها الجديدة، ويستمر عرض الجهاز إلى أن تأتي العارضة بالعريس إلى صالة العرس؛ فتعود العروس لترتدي فستانها الأبيض، وتستقبله مع أبيه وإخوته وأعمامه، يرفع العريس الطرحة عن وجه عروسه، وتبدأ النساء بالتصفيق والزغاريد التي لا تنتهي.
"أوها يسعد صباحك يا فله إفرنجية..
أوها يا ورد على أمه يا خلقه إلهية..
أوها لو قدموا لي بذلك من الألف للميه..
أوها ما أهوى بدالك ولالي من أحد نيه
لا لا لا ليش".
وقد أخذت بعض العائلات تستأجر عربة بيضاء تجرها الأحصنة دلالة على العودة إلى "التراث" والمحافظة على الفلكلور، ولكنه التراث الباهظ الثمن؛ فالطريف أن هذه العائلات كلما حاولت الاقتراب من التراث والفلكلور كلما دفعت نقودا أكثر. تماما مثلما أصبحت الفلافل (الطعمية) والفول صحنا أساسيا في فنادق الخمسة نجوم.
ليلة الحنة
ومن بين التقاليد التي كانت وما زالت في بعض الأحياء والمناطق ولا سيما في الريف السوري جزءًا من فرحة العرس ليلة الحنة، وهي من الليالي المميزة في مراسم العرس الشرقي.
تقول "أم عدنان" وهي في الخامسة والستين من عمرها: "كما هو معروف أن ليلة الحنة هي الليلة التي تسبق يوم الزفاف، وقد كانت تقام حفلتان: إحداهما تقيمها النساء في بيت العروس، والثانية يقيمها الرجال في بيت العريس، ويدعو كل من ذوي العروس وذوي العريس من يشاءون لحضور هذه الحفلة، ويعد الطعام والشراب وآلات الطرب لإحياء سهرة الرجال وسهرة النساء، كل في المكان المعد له.
أما في بيت العروس فإن النساء وخاصة الفتيات العازبات يتجمعن حول العروس التي تكون خافضة الرأس دامعة العين لحزنها الشديد على فراق بيت أبيها، بينما تكون بقية النسوة من حولها ضاحكات، وتوزع بعد الطعام والشراب الحلويات على المدعوات.
وتبدأ المرأة المختصة في وضع الحنة على يدي العروس ورجليها، ثم تربط اليدين والرجلين بالخرق لكي يظهر لون الحنة في صباح اليوم الثاني، وتوضع الحنة دون أي زخرفه، في حين أصبح لهذه العملية نساء مختصات في زخرفة الأيدي والأرجل يستخدمن في ذلك العجين والشمع، ويوضع في كف العروس تحت الحنة قطعة من النقد الفضي الأبيض تفاؤلاً وأملاً في أن تزدهر حياتها.
والعروس لا تعطي يديها أو رجليها لوضع الحنة إلا بصعوبة كبيرة وبعد ممانعة ودلال، وهي تبكي، وتنتحب ليقال عنها: إنها فتاة أصيلة خجولة، أما إذا رفعت رأسها أو ضحكت أو لم تبكِ بلوعة، أو إذا قدمت يديها بسهولة، يعاب عليها هذا السلوك، وكثيراً ما يوضع الكحل في عينيها لتجميد الدموع، وكثيرًا ما تعمد صديقات العروس لمداعبتها بقرصها أو وخزها برءوس الدبابيس والإبر وخزاً بسيطاً، وتنتهي هذه الحفلة في الساعة العاشرة أو في منتصف الليل، وعندئذ يتفرق النسوة ليتهيأن لحفلة الزفاف في اليوم التالي.
التلبيسة
ومن بين التقاليد الجميلة والحميمة التي تكاد تختفي أيضاً ليحل محلها الفرق المتعهدة التي لا تمُتّ بصلة للعريس أو أصدقائه (تلبيسة العريس)، وهي إلباس العريس للألبسة الخاصة بليلة العرس وإعداده لحفلة العرس، وتبدأ من الصباح؛ حيث يذهب العريس مع رفاقه إلى الحمام
(حمام السوق) للاستحمام، ويقوم أحدهم بالإشراف على نظافة جسم العريس، بتفريكه بالليفة والصابون، وغسل شعره، وتطيبه بالتربة الحلبية، وخلال الحمام يتناول الشباب طعام الفطور، وبعد صلاة الظهر يتناول طعام الغداء وينام استعداداً للتلبيسة يوم العرس ليلاً.
وبعد صلاة المغرب يحضر المزين (الحلاق) إلى دار العريس، ويقص شعر رأسه، ويسوي شواربه، ويحلق له ذقنه، ويحضر حفلة الحلاقة بعض أصدقائه المقربين أو إخوانه وبعض الأقرباء لتبدأ التلبيسة. وكانت التلبيسة تجري في دار العريس أو في دار أخرى؛ لأن بعض البيوت ضيقة لا تتسع للاحتفالات، وعند ذلك يقوم أحد الأقرباء أو أحد الجيران الأقربين بتقديم منزله لتجري فيه حفلة التلبيسة، وغالبًا ما تكون حفلة التلبيسة نقوطًا تُقدم من هذا القريب أو الجار، وترد عند زواج أولاده من قبل العريس أو أهله.
وبعد صلاة المغرب تُصف الكراسي والمقاعد في باحة المنزل؛ حيث تجري حفلة إلباس العريس ملابسه. وتخصص غرفة من غرف المنزل لهذه العملية، ويتوافد المدعوون إلى المنزل، ويحضر أبو العريس وإخوانه وأعمامه وأخواله.. إضافة إلى شباب الحارة من الجيران، وبعد تبادل عبارات الترحيب بالمدعوين وعبارات التهاني، وبعد ساعة من السمر يتخللها سماع قصة المولد النبوي الشريف، وتوزيع "المِلبِّس" على المدعوين، وكذلك المرطبات ينهض صاحب الدعوة إلى والد العريس، وينادي على العريس من بين جميع المدعوين، فينهض العريس وبجانبه والده وإخوانه وأعمامه وأصدقاؤه، ويدخل غرفة تغيير اللباس الخاصة، وعندها تحضر "بقجة" الملابس الخاصة بليلة العرس، وتفك بعد البسملة، وتخرج منها الملابس قطعة قطعة أمام الموجودين الذين يهتفون بهتافات خاصة بتلك المناسبة، ثم يخلع العريس ملابسه، ويتقدم أحد الحاضرين –غالبا يكون أباه أو أخاه- فيفتح زجاجة من العطر ويفرغها على جسم العريس بين تصفيق الحاضرين ونداءاتهم وتبريكاتهم، وهنا تتعالى الأصوات. "عريس الزين يتهنى ، اطلب علي وتمنى "
ثم يصيح الكل: "صلوا على محمد .. مكحول العين؟
ونير وغضير.. وعالدنيا السلام..
وهيه ما شاء الله".
السيف والترس
وبعد انتهاء لباس العريس بين ضحكات الفرح من أقربائه ونكاتهم وحركاتهم التشجيعية يخرج العريس ليجلس أمام المدعوين، وبعد تناول المرطبات تخلو ساحة وسط الدار، وتجري المبارزة بلعبة السيف والترس، ويعمد الشباب إلى حركات الخفة بالسيف والترس.
بعد ذلك ينتقل لاعبو السيف والترس إلى الطريق، ويحمل أصدقاء العريس فانوسًا لينير الطريق، بينما يحمل البعض الآخر المشاعل، وفي الوسط يسير العريس وبجانبه أبوه أو عمه وخاله، وبعض الوجوه في الحي، وعندما يكتمل الركب يتقدم عقيد الحي أمام الركب ويصيح: "يأهل العدية يا سامعين الصوت، يا رجال الديرة، الله لا يقطع لكم ذرية، لمن ها الراية المجلية؟ كانت الراية راية محمد، وراية الأنبياء الصالحين، وراية كل من صلى على النبي، وهي… ".
وهنا تدور ألعاب السيف والترس، وتبدأ الأهازيج التي تدل على شجاعة الشباب وقوتهم. وعند وصول الركب إلى مقر بيت العروس تعلو أصوات الشباب لتجاوبهم أصوات النساء من الداخل بالزغاريد، ويدخل العريس وأبوه وبعض إخوانه، ويبقى الباقون أمام الباب يرددون الهتافات.
الصمدة
أما العروس فمسيرتها تبدأ من بيت أهلها؛ حيث ترتدي بذلة "السيرما" -نسبة إلى نوع من حرير السيرما الذي تشغل منه البذلة وهو خاص بهذه المناسبة-، وتصمد في بيت أهلها، وتقوم النساء بالغناء ونقر الدربكة، مرددات أغنيات شعبية مثل:
"يا مال الشام ياله يا مالي طال المطال يا حلوة تعالي"
ومثل: "أوها مين قال عنك سودا..
أوها يا قمر بدري..
أوها يا قنينة قرنفل..
أوها ليلة البدري..
لا لا لا ليش".
لصق الخمير
ومن المظاهر التي ما زالت موجودة إلى يومنا هذا أنه عندما تصل العروس إلى بيت العريس، تتوقف أمام الباب للصق ورقة خضراء لنبات مثل الشمعة أو الهوا، وبعض الأسر تضع شقفة زريعة خضراء؛ وذلك تفاؤلا بأن تكون أيام الزواج نضرة سعيدة، ويوضع للعروس كرسي لتصعد عليه ، وتلصق قطعة من الخميرة فوق باب البيت؛ وذلك تفاؤلاً بوفرة الخير والبركة في منزل الزوجية، وتلصق قطعة النقد على تراب البيت فوق الدار؛ تفاؤلاً بأن يغدو العريس غنياً موفوراً. وتنتظر "العراضة" التي توصل العريس إلى عروسه، وتجتمع النساء حول العروسين يطلقن الزغاريد، وبعدها يأخذ العريس عروسه إلى غرفة الزوجية. ومن ثم ينفض الجميع، مهنئين ومباركين الزواج[/size][/color]
--------------------------------------------------------------------------------
بين الأمس واليوم اختلفت الكثير من تقاليد العرس الدمشقي؛ فإذا هو اليوم يتسم بمظاهر البذخ؛ وهو ما جعل الشباب يعزفون عن الزواج حتى سن متأخرة حتى يوفروا مصاريف الزواج ومتطلباته، في حين أنه كان يقوم في السابق على البساطة والعفوية؛ حيث الأصدقاء والأقرباء هم من يحيون العرس، وليست الفرق الشعبية أو الفرق الموسيقية بمطربيها، ولا السيارات الفارهة التي تسير بموكب العرس.
في السابق كان يقام العرس بنخوة (الزكرتاوية) من شباب الحي، كانت مظاهر الفرح خاصة فيها من الدفء والحميمية والتآزر ما يجعلنا نقف في لحظة صدق متأسفين على ما وصلت إليه العلاقات الاجتماعية من فقر حتى على مستوى الأقرباء جدًّا من الأعمام والأخوال..
العروس عارضة أزياء
الكثير من التقاليد أصبحت الآن منسية، ومقتصرة على بعض العائلات المحافظة من فئات اجتماعية بسيطة؛ فقد أصبحت الآن حفلة العرس تقام في يومي كَتْب الكتاب والدخلة، وقد يكونان في اليوم ذاته، وإذا كان العريس من عائلة غنية تقام الحفلات في أحد الفنادق الكبيرة، أو في صالة للأفراح موجودة في الحي، أو في أحد الأحياء المجاورة؛ فالمنازل باتت تضيق لمثل هذه التجمعات، بعد أن استثنت الأبنية الحديثة "الليوان" وباحة الدار العربية القديمة، وتأتي العروس إلى الصالة برفقة والدتها وأخواتها دون العريس، وتبدأ بعرض مجموعة فساتينها أو ما يدعى بالجهاز، مرتدية فستانًا تلو الآخر، تعرضه لأهل العريس ولصديقاتها وأقربائها، ويتبادر إلى الحاضر أنه في عرض للأزياء، تُظهر فيه العروس مفاتنها وذوقها في اختيار ملابسها، وإلى حد ما سخاءها، وبالتأكيد العروس لا بد أن تجيد الرقص؛ لتتمايل بفساتينها الجديدة، ويستمر عرض الجهاز إلى أن تأتي العارضة بالعريس إلى صالة العرس؛ فتعود العروس لترتدي فستانها الأبيض، وتستقبله مع أبيه وإخوته وأعمامه، يرفع العريس الطرحة عن وجه عروسه، وتبدأ النساء بالتصفيق والزغاريد التي لا تنتهي.
"أوها يسعد صباحك يا فله إفرنجية..
أوها يا ورد على أمه يا خلقه إلهية..
أوها لو قدموا لي بذلك من الألف للميه..
أوها ما أهوى بدالك ولالي من أحد نيه
لا لا لا ليش".
وقد أخذت بعض العائلات تستأجر عربة بيضاء تجرها الأحصنة دلالة على العودة إلى "التراث" والمحافظة على الفلكلور، ولكنه التراث الباهظ الثمن؛ فالطريف أن هذه العائلات كلما حاولت الاقتراب من التراث والفلكلور كلما دفعت نقودا أكثر. تماما مثلما أصبحت الفلافل (الطعمية) والفول صحنا أساسيا في فنادق الخمسة نجوم.
ليلة الحنة
ومن بين التقاليد التي كانت وما زالت في بعض الأحياء والمناطق ولا سيما في الريف السوري جزءًا من فرحة العرس ليلة الحنة، وهي من الليالي المميزة في مراسم العرس الشرقي.
تقول "أم عدنان" وهي في الخامسة والستين من عمرها: "كما هو معروف أن ليلة الحنة هي الليلة التي تسبق يوم الزفاف، وقد كانت تقام حفلتان: إحداهما تقيمها النساء في بيت العروس، والثانية يقيمها الرجال في بيت العريس، ويدعو كل من ذوي العروس وذوي العريس من يشاءون لحضور هذه الحفلة، ويعد الطعام والشراب وآلات الطرب لإحياء سهرة الرجال وسهرة النساء، كل في المكان المعد له.
أما في بيت العروس فإن النساء وخاصة الفتيات العازبات يتجمعن حول العروس التي تكون خافضة الرأس دامعة العين لحزنها الشديد على فراق بيت أبيها، بينما تكون بقية النسوة من حولها ضاحكات، وتوزع بعد الطعام والشراب الحلويات على المدعوات.
وتبدأ المرأة المختصة في وضع الحنة على يدي العروس ورجليها، ثم تربط اليدين والرجلين بالخرق لكي يظهر لون الحنة في صباح اليوم الثاني، وتوضع الحنة دون أي زخرفه، في حين أصبح لهذه العملية نساء مختصات في زخرفة الأيدي والأرجل يستخدمن في ذلك العجين والشمع، ويوضع في كف العروس تحت الحنة قطعة من النقد الفضي الأبيض تفاؤلاً وأملاً في أن تزدهر حياتها.
والعروس لا تعطي يديها أو رجليها لوضع الحنة إلا بصعوبة كبيرة وبعد ممانعة ودلال، وهي تبكي، وتنتحب ليقال عنها: إنها فتاة أصيلة خجولة، أما إذا رفعت رأسها أو ضحكت أو لم تبكِ بلوعة، أو إذا قدمت يديها بسهولة، يعاب عليها هذا السلوك، وكثيراً ما يوضع الكحل في عينيها لتجميد الدموع، وكثيرًا ما تعمد صديقات العروس لمداعبتها بقرصها أو وخزها برءوس الدبابيس والإبر وخزاً بسيطاً، وتنتهي هذه الحفلة في الساعة العاشرة أو في منتصف الليل، وعندئذ يتفرق النسوة ليتهيأن لحفلة الزفاف في اليوم التالي.
التلبيسة
ومن بين التقاليد الجميلة والحميمة التي تكاد تختفي أيضاً ليحل محلها الفرق المتعهدة التي لا تمُتّ بصلة للعريس أو أصدقائه (تلبيسة العريس)، وهي إلباس العريس للألبسة الخاصة بليلة العرس وإعداده لحفلة العرس، وتبدأ من الصباح؛ حيث يذهب العريس مع رفاقه إلى الحمام
(حمام السوق) للاستحمام، ويقوم أحدهم بالإشراف على نظافة جسم العريس، بتفريكه بالليفة والصابون، وغسل شعره، وتطيبه بالتربة الحلبية، وخلال الحمام يتناول الشباب طعام الفطور، وبعد صلاة الظهر يتناول طعام الغداء وينام استعداداً للتلبيسة يوم العرس ليلاً.
وبعد صلاة المغرب يحضر المزين (الحلاق) إلى دار العريس، ويقص شعر رأسه، ويسوي شواربه، ويحلق له ذقنه، ويحضر حفلة الحلاقة بعض أصدقائه المقربين أو إخوانه وبعض الأقرباء لتبدأ التلبيسة. وكانت التلبيسة تجري في دار العريس أو في دار أخرى؛ لأن بعض البيوت ضيقة لا تتسع للاحتفالات، وعند ذلك يقوم أحد الأقرباء أو أحد الجيران الأقربين بتقديم منزله لتجري فيه حفلة التلبيسة، وغالبًا ما تكون حفلة التلبيسة نقوطًا تُقدم من هذا القريب أو الجار، وترد عند زواج أولاده من قبل العريس أو أهله.
وبعد صلاة المغرب تُصف الكراسي والمقاعد في باحة المنزل؛ حيث تجري حفلة إلباس العريس ملابسه. وتخصص غرفة من غرف المنزل لهذه العملية، ويتوافد المدعوون إلى المنزل، ويحضر أبو العريس وإخوانه وأعمامه وأخواله.. إضافة إلى شباب الحارة من الجيران، وبعد تبادل عبارات الترحيب بالمدعوين وعبارات التهاني، وبعد ساعة من السمر يتخللها سماع قصة المولد النبوي الشريف، وتوزيع "المِلبِّس" على المدعوين، وكذلك المرطبات ينهض صاحب الدعوة إلى والد العريس، وينادي على العريس من بين جميع المدعوين، فينهض العريس وبجانبه والده وإخوانه وأعمامه وأصدقاؤه، ويدخل غرفة تغيير اللباس الخاصة، وعندها تحضر "بقجة" الملابس الخاصة بليلة العرس، وتفك بعد البسملة، وتخرج منها الملابس قطعة قطعة أمام الموجودين الذين يهتفون بهتافات خاصة بتلك المناسبة، ثم يخلع العريس ملابسه، ويتقدم أحد الحاضرين –غالبا يكون أباه أو أخاه- فيفتح زجاجة من العطر ويفرغها على جسم العريس بين تصفيق الحاضرين ونداءاتهم وتبريكاتهم، وهنا تتعالى الأصوات. "عريس الزين يتهنى ، اطلب علي وتمنى "
ثم يصيح الكل: "صلوا على محمد .. مكحول العين؟
ونير وغضير.. وعالدنيا السلام..
وهيه ما شاء الله".
السيف والترس
وبعد انتهاء لباس العريس بين ضحكات الفرح من أقربائه ونكاتهم وحركاتهم التشجيعية يخرج العريس ليجلس أمام المدعوين، وبعد تناول المرطبات تخلو ساحة وسط الدار، وتجري المبارزة بلعبة السيف والترس، ويعمد الشباب إلى حركات الخفة بالسيف والترس.
بعد ذلك ينتقل لاعبو السيف والترس إلى الطريق، ويحمل أصدقاء العريس فانوسًا لينير الطريق، بينما يحمل البعض الآخر المشاعل، وفي الوسط يسير العريس وبجانبه أبوه أو عمه وخاله، وبعض الوجوه في الحي، وعندما يكتمل الركب يتقدم عقيد الحي أمام الركب ويصيح: "يأهل العدية يا سامعين الصوت، يا رجال الديرة، الله لا يقطع لكم ذرية، لمن ها الراية المجلية؟ كانت الراية راية محمد، وراية الأنبياء الصالحين، وراية كل من صلى على النبي، وهي… ".
وهنا تدور ألعاب السيف والترس، وتبدأ الأهازيج التي تدل على شجاعة الشباب وقوتهم. وعند وصول الركب إلى مقر بيت العروس تعلو أصوات الشباب لتجاوبهم أصوات النساء من الداخل بالزغاريد، ويدخل العريس وأبوه وبعض إخوانه، ويبقى الباقون أمام الباب يرددون الهتافات.
الصمدة
أما العروس فمسيرتها تبدأ من بيت أهلها؛ حيث ترتدي بذلة "السيرما" -نسبة إلى نوع من حرير السيرما الذي تشغل منه البذلة وهو خاص بهذه المناسبة-، وتصمد في بيت أهلها، وتقوم النساء بالغناء ونقر الدربكة، مرددات أغنيات شعبية مثل:
"يا مال الشام ياله يا مالي طال المطال يا حلوة تعالي"
ومثل: "أوها مين قال عنك سودا..
أوها يا قمر بدري..
أوها يا قنينة قرنفل..
أوها ليلة البدري..
لا لا لا ليش".
لصق الخمير
ومن المظاهر التي ما زالت موجودة إلى يومنا هذا أنه عندما تصل العروس إلى بيت العريس، تتوقف أمام الباب للصق ورقة خضراء لنبات مثل الشمعة أو الهوا، وبعض الأسر تضع شقفة زريعة خضراء؛ وذلك تفاؤلا بأن تكون أيام الزواج نضرة سعيدة، ويوضع للعروس كرسي لتصعد عليه ، وتلصق قطعة من الخميرة فوق باب البيت؛ وذلك تفاؤلاً بوفرة الخير والبركة في منزل الزوجية، وتلصق قطعة النقد على تراب البيت فوق الدار؛ تفاؤلاً بأن يغدو العريس غنياً موفوراً. وتنتظر "العراضة" التي توصل العريس إلى عروسه، وتجتمع النساء حول العروسين يطلقن الزغاريد، وبعدها يأخذ العريس عروسه إلى غرفة الزوجية. ومن ثم ينفض الجميع، مهنئين ومباركين الزواج[/size][/color]